سُكُوتهُ مُقدِّمةٌ لسُقُوطِهِ
صفحة 1 من اصل 1
سُكُوتهُ مُقدِّمةٌ لسُقُوطِهِ
تخيَّل أباً مهيباً، يجلس في زاوية من زوايا بيتهِ، وحولَهُ يعلو صخَبُ الأولاد في أرجاء البيت، يدخلون ويخرجون، ويصرخون. وهناك صخبٌ في الخارج، أصواتٌ تعلو، وتهدأ، طبول تتوالى دقاتُها في الشوارع، انفجارات بعيدة ترجّ البيت رجّاً، ثم تقتربُ منه، ألسِنة اللهَب تندلعُ حول المكان، وفي أطرافه، ثمّ تمتد النار إلى داخل البيت.
الأولاد يتراكضون هنا وهناك، بعضهم يحاول إطفاء النيران، وبعضهم يتفرج مذهولاً، وآخرون يسرعون نحو الطريق العام يقاومون من يطلق التفجيرات، فيصرخون ضدهم، ويرجمونهم ويقاتلونهم، والأرض تهتز من تحت الجميع. والأب لا يتحرك، لا يقول شيئاً، يجلس أحيانا على كرسيّهِ الوثير، ويقف أحيانا. يأتي إليه بعض الجيران وبعض الزوار من مناطق نائية ويجلسون معه يتحدثون ثم ينصرفون. يأتي إليه بعض أولاده يطمئنونَهُ بأن كل شيء "تمام"، لا تقلق. وبعضهم يقول له: "لا، الأحوال مش تمام أبداً، الدنيا مولعه، بيكذبوا عليك!".
يطلق الأبُ الأولادَ الذين يكذِبون عليه لتأديب الأولاد الآخرين. وينام. ثم يصحو ليستقبل بوش ورايس وبوكيمون، فيقول له أحد الأولاد: "اسمهُ بان كي مون". لا يهمّ. يبتسم. وينصرف الضيوف. ويزداد الصخب، والعويل والهتاف وصوت الانفجارات يدوي، في الجوار، ثم في وسط البيت.
والأب لا يقف ليقول شيئاً مفيداً، شيئاً يدلُّ على أنه يَفهم ما يجري من حولهم ومن حوله. تصدر تصريحات على لسانه بين فترة وأخرى. لكنه في عالم آخر. بعيد، بعيد. ترتج الأرض ويرتجّ البيت. والأبُ على الكرسيّ. ثم يصيح أحد الأولاد: "هذا مش أبوي. هذا واحد غريب لابس مثل أبوي". ويندفع الأولاد لطرد الأب المُدّعي خارج البيت.
ويصدر البيان رقم (1). ومن المقهى المجاور ينطلق صوت أم كلثوم: "لسَّه فاكر؟".
كتبها الكاتب الفلسطيني
مجيد البرغوثي
الأولاد يتراكضون هنا وهناك، بعضهم يحاول إطفاء النيران، وبعضهم يتفرج مذهولاً، وآخرون يسرعون نحو الطريق العام يقاومون من يطلق التفجيرات، فيصرخون ضدهم، ويرجمونهم ويقاتلونهم، والأرض تهتز من تحت الجميع. والأب لا يتحرك، لا يقول شيئاً، يجلس أحيانا على كرسيّهِ الوثير، ويقف أحيانا. يأتي إليه بعض الجيران وبعض الزوار من مناطق نائية ويجلسون معه يتحدثون ثم ينصرفون. يأتي إليه بعض أولاده يطمئنونَهُ بأن كل شيء "تمام"، لا تقلق. وبعضهم يقول له: "لا، الأحوال مش تمام أبداً، الدنيا مولعه، بيكذبوا عليك!".
يطلق الأبُ الأولادَ الذين يكذِبون عليه لتأديب الأولاد الآخرين. وينام. ثم يصحو ليستقبل بوش ورايس وبوكيمون، فيقول له أحد الأولاد: "اسمهُ بان كي مون". لا يهمّ. يبتسم. وينصرف الضيوف. ويزداد الصخب، والعويل والهتاف وصوت الانفجارات يدوي، في الجوار، ثم في وسط البيت.
والأب لا يقف ليقول شيئاً مفيداً، شيئاً يدلُّ على أنه يَفهم ما يجري من حولهم ومن حوله. تصدر تصريحات على لسانه بين فترة وأخرى. لكنه في عالم آخر. بعيد، بعيد. ترتج الأرض ويرتجّ البيت. والأبُ على الكرسيّ. ثم يصيح أحد الأولاد: "هذا مش أبوي. هذا واحد غريب لابس مثل أبوي". ويندفع الأولاد لطرد الأب المُدّعي خارج البيت.
ويصدر البيان رقم (1). ومن المقهى المجاور ينطلق صوت أم كلثوم: "لسَّه فاكر؟".
كتبها الكاتب الفلسطيني
مجيد البرغوثي
سيد الهوى- &أإْدآرٍةًَ &أإْلًَمنتدىًَُ&
- عدد الرسائل : 15
العمر : 45
الموقع : www.p-aseer.com
المزاج : غائم جزئيا
رقم العضو : 11
المزاج :
الاوسمة :
عدد النقاط :
تاريخ التسجيل : 06/03/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى